الصحراء اليبية
الصحارى : ومنطقة الصحارى على ما هو معروف أبرز ظاهرة جغرافية في أفريقية الشمالية ، وتعد على وجه الإطلاق أكبر رقعة جغرافية من نوعها تتميز بشدة جفافها وقحولتها . أما سعتها فإن طولها يمتد على عرض القارة من سواحل البحر الأحمر شرقا إلى سواحل الأطلسي غربا ، أي نحو 3500ميل ، وعرضها من الشمال إلى الجنوب زهاء 1100 ميل ، ومعدل عرض لا يقل عن 1000ميل ، فتكون مساحتها قرابة أربعة ملايين ميل مربع . ومن الممكن تقسيم الصحراء الكبرى إلى ثلاث مناطق كبيرة هي ، ابتداء من الغرب إلى الشرق :
1- الصحراء الغربية الكبرى : في أقطار المغرب العربي الثلاثة (المغرب والجزائر وتونس) ، وتبتدئ تقريبا من ساحل الأطلسي غربا وتمتد شرقا إلى خط الطول 18 .
2- الصحراء الليبية : وهي تلي الصحراء الغربية ، أي أنها تمتد من خط الطول 18 إلى حدود نهر النيل تقريبا ، ويمكن اعتبار الحد الفاصل ما بين الصحراء الغربية والصحراء الليبية الخط الممتد من خليج سرت الكبير (خليج السدرا) إلى منطقة التبستي و بوركو . والجدير بالذكر أن الصحراء الليبية بدورها يمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسيين ، هما الصحراء الشرقية الممكن تحديدها بالمثلث المحصور بين منطقة طرابلس والخرطوم والقاهرة ، ثم الصحراء الغربية التي يمكن نطلق عليها اسم الصحراء الفزانية .
3- الصحراء العربية والنوبية المحدودة ما بين النيل وبين البحر الأحمر .
وإذا ما تساءلنا هل كانت أحوال هذه الصحراء في عصور ما قبل التأريخ مثل حالها الآن من الجفاف ، فيمكن إيجاز الإجابة على هذا السؤال بأنه مع أن روايات الكتاب الكلاسيكيين تجمع على أن هذه الصحراء الشاسعة كانت مثلما هي عليه الآن منذ بداية العصور التأريخية في الشمال الأفريقي في مطلع الألف الأول أو أواخر الألف الثاني ق.م . إلا أن هناك أدلة جيولوجية وأثرية قوية تحمل على الاستنتاج أن الأحوال السائدة الآن في الصحراء إن صحت في مطلع العصر التأريخي إلى أنها لم تكن كذلك في عصور ما قبل التأريخ . فأولا من الناحية النظرية ثبت أن العصور الجليدية الأوربية التي سنتطرق إلى ذكرها في مناسبات أخرى ، كان يقابلها في أجزاء الكرة الأرضية الأخرى ، ومنها الشرق الأدنى ومنطقة الصحارى الأفريقية ، عصور غزيرة الأمطار والمياه أطلق عليها مصطلح العصور الممطرة ، وبالعكس كان يحل الجفاف في مثل هذه المناطق في أثناء الفترات الجليدية . إن هذه العصور الممطرة التي تقابل العصور الجليدية حدثت إبان دهر البلايستوين . وعلى ضوء تلك العصور الممطرة البلايستوسينية يمكن تعليل بعض الظواهر الطبيعية التي نشاهدها في منطقة الصحارى ، وهي من آثار تلك العصور الممطرة . وأهم هذه الظواهر احتواء مناطق الصحارى المختلفة على عدة أودية وأحواض أنهار جافة . وإن حجم مثل هذه الوديان وأشكال شواطئها من الناحية الجيولوجية لا يمكن تعليلها على أنها من نتائج السيول ومجاري الأمطار الحديثة . كما أن هذه الأشكال لا تجعلها تمتد في تأريخ تكوينها الجيولوجي إلى عصور جيولوجية أقدم من دهر البلايستوسين . أي أنها من هذا العصر قبل نحو مليون عام .
بالإضافة إلى وجود هذه الأودية الجافة فقد عثر في كثير من أجزاء الصحراء الأفريقية على بقايا كثيرة من الحيوانات التي كانت تعيش في عصر البلايستوسين ، وهي من الأنواع الاستوائية التي تعيش الآن في المناطق الوفيرة المياه . وعلى هذا فإن وجود مثل هذه البقايا في المناطق الصحراوية لا يمكن تعليله بأن تلك الحيوانات الاستوائية قد هاجرت من مناطق استوائية إلى الصحراء التي وجدت بقاياها العظيمة فيها . وإن هذه الصحراء كانت في أحوالها المناخية من الجفاف والقحولة مثلما هي عليه الآن . وأخيرا وليس آخرا فإن عثور الباحثين الأثريين على الأدوات الحجرية من العصور الحجرية المختلفة في مناطق الصحراء الآن لا يدع مجالا للشك في أن أحوال المناخ التي كانت عليها منطقة الصحارى في دهر البلايستوسين من وفرة المياه ، قد مكنت الإنسان القديم من العيش فيها .