لا لمسجد ضرار
(والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون * لا تقم فيه أبداً لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه).
سبب نزولها على ما روي أن بني عمرو بن عوف لما بنوا مسجد قبا بعثوا إلى النبي (ص) أن يأتيهم فأتاهم وصلى فيه فحسد إخوتهم بنو غنم بن عوف وقالوا نبني مسجداً ونرسل إلى رسول الله يصلي فيه ويصلي فيه أبو عامر الراهب أيضاً وسيأتي قصته ليثبت لهم الفضل والزيادة فبنوا مسجداً بجنب مسجد قبا وقالوا لرسول الله (ص) وهو يتجهز إلى تبوك إنا قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه وتدعو لنا بالبركة، فقال (ع): إني على جناح السفر وإذا قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا لكم فيه.
فلما قدم من تبوك أنزلت الآية فأنفذ رسول الله (ص) عاصم بن عوف العجلاني ومالك بن الدخشم فقال انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه. وروي أنه بعث عمار بن ياسر ووحشياً فحرقاه وأمر النبي (ص) بأن يتخذ مكانه كناسة يلقى فيها الجيف قيل كانوا إثني عشر رجلاً من المنافقين وقيل خمسة عشر.
ثم إنه تعالى أخبر نبيه (ص) بقصدهم وهو أنهم بنوه مضارة لبني عمرو بن عوف وتفريقاً بين المؤمنين لأنهم كانوا يجتمعون في مسجد قبا وإرصاداً لأبي عامر الراهب بحيث يقدم إليهم وكل هذه المقاصد قبيحة منافية للدين وفي ذلك دلالة على وجوب الإخلاص بعمارة المساجد لله لا لغرض آخر. ثم إنه تعالى أخبر عن مجيئهم في إخبارهم بضد مقصدهم وأنه تعالى شهد بكذبهم مؤكداً ذلك بعدة من التواكيد ولما نهاه سبحانه أن يقوم فيه أبداً أقسم أن غيره أحق وأولى بالقيام فيه وهو مسجد أسس على التقوى فقيل هو مسجد قُبا وقيل مسجده بالمدينة ومعنى ((من أول يوم)) أي من أول يوم بني و ((أحق)) هنا إما بمعنى حقيق فإن أفعل التفضيل يجيء بمعنى الصفة كقولهم: ((الأشج والناقص أعدلا بني مروان)) أو أنه على بابه أي أحق من كل مكان حقيق بالصلاة فيه، أو أن الصلاة في مسجدهم باعتبار كونه أرضاً خالية من المسجدية يجوز فيها الصلاة فالقيام فيها حسن في نفسه وإنما صار قبيحاً باشتماله على مفسدة تزيد على حسنه.
قصة أبي عامر الراهب:
إنه ترهب في الجاهلية ولبس المسوح، فلما قدم النبي (ص) المدينة حسده وحزب عليه الأحزاب، ثم هرب بعد فتح مكة إلى الطائف فلما أسلم أهل الطائف هرب إلى الشام ولحق بالروم وتنصر فسماه النبي (ص) الفاسق ثم إنه أنفذ إلى المنافقين أن استعدوا وابنوا مسجداً فإني أذهب إلى قيصر وآتي من عنده بجنود وأُخرج محمداً من المدينة فكان أولئك المنافقون يتوقعون قدومه فمات قبل أن يبلغ ملك الروم بأرض يقال لها قنسرين. ثم إن هذا أبو عامر كان له ولد اسمه حنظلة وهو رجل مؤمن من خواص النبي (ص) قتل معه يوم أحد وكان جُنباً فغسلته الملائكة فسماه النبي (ص) غسيل الملائكة رحمة الله عليه.