.. فضائل وفوائد وآداب ا لصيــام
الحمدلله الذي أمر عباده بالصيام ، وأصلي وأسلم على أفضل من صلى وصام ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه الكرام .. أما بعد :
فإننا نستقبل ضيفاً عزيزاً كريماً ، ضيفاً ليس ككل الضيوف ، فهو يحمل بين طياته ، الرحمة والغفران ، والعتق من النيران ، ضيف إذا زار رحب به المزور ، وإذا ارتحل ذرفت لارتحاله القلوب قبل العيون ، إنه شهر رمضان المبارك ، اللهم بلغنا رمضان ، وأعده علينا أعواماً عديدة وأزمنة مديدة ، فمرحباً بشهر الرضوان ، شهر القرآن ، شهر رمضان ، وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بصيام شهر رمضان المبارك ، فقال جلّ من قائل سبحانه : (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) (سورة البقرة) ، وقال عليه الصلاة والسلام : (بني الإسلام على خمس ، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) (رواه البخاري ومسلم) .
وللصيام فضائل وفوائد ، وهذه الفضائل لا تكون إلا لمن صام مخلصاً لله تعالى عن الطعام والشراب والنكاح والشهوة ، وصام عن سماع الحرام ، والنظر إلى الحرام ، والكسب الحرام ، تكون هذه الفضائل لمن صامت يده عن الحرام ، وصامت رجله عن الحرام ، ولمن صامت أذنه وعينه عن سماع ومشاهدة الحرام ، تكون هذه الفضائل لمن صامت جوارحه عن الآثام ولسانه عن الكذب والنميمة والغيبة وفحش الكلام ، وقول الزور ، هذا هو الصوم المشروع المترتب عليه هذا الثواب العظيم ، قال صلى الله عليه وسلم : (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ، ورب قائم حظه من قيامه السهر) (رواه أحمد وابن ماجه) .
فوائد الصيام
1- يضبط النفس ويطفىء شهوتها فإنها إذا شبعت تمردت في الغالب وانطلقت إلى شهواتها ، وإذا جاعت سكنت وهدأت وخضعت وامتنعت عن ما تهوى ففي حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) (متفق عليه) . وذلك لأن الصيام يربي في الإنسان الفضائل والإخلاص والأمان والصبر على الشدائد والمصائب ، فإذا وفق الصائم لحفظ صومه مما ينقصه من محرمات ومفسدات فالصوم والحالة هذه سبب في اتقاء المحرمات ، والصوم يدعو إلى شكر نعم الله تعالى على العبد ، لأن فيه كف عن الأكل والشرب ومباشرة النساء وهذا سر بين العبد وربه.
2- ومن فوائد الصيام أنه يبعث في الإنسان الرحمة والإحسان على الفقراء ، والعطف على البائسين فإن الإنسان إذا ذاق ألم الجوع والعطش ، فإنه يتذكر الفقير الجائع فيسارع إلى رحمته ومساعدته ، ومد يد العون له ، وهذا هو الحال الحقيقي للمسلم مع أخيه المسلم .
3- ومن فوائد الصيام ، أنه يقي الجسم العديد من الأمراض وينقي الجسم من الفضلات الرديئة فسبحان الله من خالق حكيم عليم، وهو بعباده الرحيم الودود.
4- ومن فوائد الصيام،أنه يربي النفس على الحلم والأناة ، وكبت النفس ، وترويضها ، ويربي النفس أيضا على الصبر وحسن الخلق ، وذلك لأن فيه كسراً للنفس وبعداً عن الغضب وما قد يثير الغضب عند الإنسان ، فمن عرف حقيقة الصيام أمسك نفسه عن الغضب وترويضها على ذلك ، وإذا شتمه أو سبه أحد من الناس فليقل إني صائم ، كما ثبت ذلك عن نبينا عليه الصلاة والسلام .
5- ومن فوائد الصيام ، أن فيه تهذيبا للنفس، وتطهيرها من الإخلاق السيئة، وتعويدها على الطاعات ، وفعل الخيرات ، فالصيام جنة.
6- ومن فوائد الصيام ، أنه يجعل القلب والذهن خاليان ، فيرق القلب عند سماع القرآن وعند سماع المواعظ ، ويستطيع بذلك المسلك أن يحفظ ما استطاع بإذن الله تعالى من كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .
7- ومن فوائد الصيام ، أنه يضيق مجاري الدم ، التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم ، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، فبذلك تسكن بالصيام وسواس الشيطان .
8- ومن فوئد الصيام ، تقوى الله عز وجل ، قال تعالى : (يا أيهاالذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) ولم يقل لعلكم تذكرون أو لعلكم تعقلون ، فالصيام سبب لتقوى الله عز وجل ، فالصيام يأخذ بزمام النفس ، ويكبح جماحهاعن الحرام ، لذلك وجه النبي صلى الله عليه وسلم من لم يستطيع الزواج من الشباب وجههم وحثهم على الصيام ، لما فيه كسر للنفس ورد لها عن فعل الفواحش والمحرمات .
9- ومن فوائد الصيام: أنه يعود المسلم عن التقليل من الطعام والشراب حتى يتسنى للمسلم قيام ما تسير له من الليل ، وقراءة ما تسير له من كتاب الله عز وجل .
فضائل الصيام
1- من فضائل الصيام ، أن الله تعالى أضاف جزاء الصيام إلى نفسه الكريمة وذلك لعظم أجر الصيام قال تعالى في الحديث القدسي : (كل عمل بن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأناأجزي به) (متفق عليه) ، فهذا دليل على أن أجره كثير بلا حساب وذلك لأن في الصيام إخلاص لله تعالى ، وإلا فإنه بالإمكان أن يفطر بعيدا عن أنظار الناس ، ولكنه الخوف من الله ، والتعبد لله ، فبذلك استحق هذا الجزاء العظيم ، قال الله تعالى في الحديث القدسي المتفق على صحته : (يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلي) فهذا هو السبب الذي من أجله أختص الله سبحانه به الصيام له .
2- ومن فضائل الصيام ، أنه جُنة ، يحفظ صاحبه بإذن الله تعالى من الأثام والوقوع في الحرام ، قال صلى اله عليه وسلم : (الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، ولا يجهل ، فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم) (رواه أحمد ومسلم والنسائي) .
3- ومن فضائل الصيام ، أنه من أسباب إجابة الدعاء ، قال صلى الله عليه وسلم : (إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد) (ابن ماجة والحاكم) ، وقال المولى سبحانه في سياق آيات الصيام : (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذ دعان) (البقرة) .
4- ومن فضائل الصيام ، أنه سبب من أسباب تكفير الذنوب ، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفراتلما بينهن إذا اجتنبت الكبائر . ولما سئل عليه الصلاة والسلام عن صوم يوم عرفة قال : (يكفر السنة الماضية والباقية) وسئل عن صيام يوم عاشوراء ؟ فقال : (يكفر السنة الماضية) (مسلم) .
5- ومن فضائل الصيام ، أنه يشفع لصاحبه يوم القيامة ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده وصححه أحمد شاكر ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، قال : فيشفعان) .
6- ومن فضائل الصيام ،أن للصائم فرحتان ، فهو يفرح عندما يفطر وبما يسره الله له من الصيام ، ويفرح بفضل الله وبرحمته عندما يلقى ربه وهو راض عنه ، فيجد الجزاء عند الله تعالى يجيده جزاء موفورا ، قال صلى الله عليه وسلم : (للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره ، وإذا لقي ربه فرح بصومه) (متفق عليه) .
7- ومن فضائل الصيام ، أن الله اختص أهله بباب من أبواب الجنة لايدخل منه أحد غيرهم ، ففي الصحيحين ، عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن في الجنة باباً يقال له : الريان ، يدخل منه الصائمون يوم القيامة ، لا يدخل منه أحد غيرهم ، يقال : أين الصائمون ؟ فيقومون فيدخلون ، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد) .
8- ومن فضائل الصيام ، أن رائحة فم الصائم عند الله يوم القيامة أطيب وأفضل من ريح المسك ، فرب مكروه عند الناس محبوب عند الله تعالى ، والعكس ، قال صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) (مسلم) .
9- ومن فضائل الصيام ، أنه يقي الصائم من النار يوم القيامة ، وذلك إذا أتى به كاملاً من غير نقص مع بقية العبادات الأخرى ، وإذا فعل ما أمر الله به ورسوله ، واجتنب ما نهى الله عنه ورسوله عليه الصلاة والسلام ، قال صلى الله عليه وسلم : (لا يصوم عبد يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم النار عن وجهه سبعين خريفاً) (رواه الجماعة إلا أبا داود) .
10- ومن فضائل الصيام ، أن الصائمين يوفون أجورهم بغير حساب ، فالأعمال الصالحة تضاعف في الأجر إلى أضعاف كثيرة ، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ، فالصابر على مشاق الصيام يوفي أجره كاملاً غير منقوص ، قال تعالى : (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) (الزمر) .
آداب الصيام
1- من آداب الصيام : أن يصوم المسلم في الوقت المحدد شرعاً ، فلا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه ، قال صلى الله عليه وسلم : (إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا) (متفق عليه) .
2- ومن أداب الصيام : تأخير السحور إن لم يخش طلوع الفجر الثاني ، قال صلى الله عليه وسلم : (لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطور) .
3- ومن آداب الصيام : تعجيل الفطر إذا تحقق غروب الشمس ، قال صلى الله عليه وسلم : (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) (متفق عليه) .
4- ومن آداب الصيام : أن يفطر على رطب ، فإن لم يجد فعلى تمر ، لأنه صلى الله عليه وسلم : كان يفطر على رطبات فعلى تمرات، فإن لم تكت تمرات حساً حسوات من ماء) أبو داود والترمذي .
وليست هذه كل الفوائد الفضائل والآداب من الصيام ، ولكن الغرض هو التنبيه على بعضها ، وفيما ذكرناه كفاية بإذن الله تعالى ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ، وفي ذلك ذكرى للمؤمنين ، فأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا ممن يصوم هذا الشهر ويقومه إيماناً وإحتساباً ، كما نسأل المولى جل وعلا أن يحفظ علينا صيامنا من كل ما يفسده أو ينقصه ، وأن يجعلنا من الصائمين والمحتسبين ، اللهم اجعلنا من عتقائك من النار ياذا الجلال والإكرام ياذا الطول والإنعام . وصلى الله وسلم على نبينا محمد